RedPeace

معرض فني لعماد فخري: حيث قضت التكنولوجيا على الحميميّة

إشكالية تفكّك العلاقات الاجتماعية في ظل التطورات التكنولوجية الحديثة خصوصاً الرقميّةمنها، اثارها الفنان اللبناني عماد فخري وذلك في معرضه الإفرادي في غاليري "أرت 56” في الجميزة ببيروت، بعنوان: “خلف الشاشات" (Beyond Screens)،في إشارة إلى أداة التكنولوجيا الحديثة الأساسية: الشاشة، إن كانت شاشة التلفزيون، أم الجوال، أو الكومبيوتر وما شابه.

فخري مواليد 1974، كانت شاشة التلفزيون قد طعنت في المجتمعات العالميّة، خصوصاً منها المشرقيّة التي سادتها روحالألفة الاجتماعية، فكان الناس قبل ذلك يتجمّعون في الليالي والسهرات على أقداح الشاي، وحلوى المنزل، وألعاب الورق،والمنقلة، والداما، وقلما انتهت سهرة من دون دبكة على أنغام "المزمار"، قبل الخلود إلى النوم تحضيراً لملاقاة أتعاب اليومالتالي.

لم يعِش فخري هذه الحالة التي بدأت شاشة التلفزيون تضرب أسسها منذ أوائل الستينات، ثم تنتشر تدريجياً حتى قضتعلى هذا الاجتماع عندما صار التلفزيون في كل بيت، فانفكّت الروابط، واللقاءات الحميمة، وشخصت الأعين على الشاشة،فلم يعد أحد يتواصل مع الآخر.

رغم أن فخري جاء متأخراً على حالة الألفة الاجتماعية المشرقيّة، إلّا إنه يحب التواصل الشخصي، والرؤية للآخر بالعين، أيخارج ما تفرضه، وتتطلبه شاشات التكنولوجيا، خصوصاً إنه من جذور ريفيّة احتفظت بالألفة والرابطة الاجتماعية خلافاًللمدينة، ذلك إنه ابن "بتدعي" في بعلبك البقاعية. قال ل"ردبيس" إنه ليس "ضد التكنولوجيا الحديثة، ولكنأحببت التواصل المباشر كثيراً، وأحبّ أن أنظر إلى الشخص وأرى تعابير وجهه، وعيونه، ولا أكتفي بالتواصل الافتراضي.

إلّا أنّ فخري عايش حالة أخرى، يعتقد البعض إنها حلقة من حلقات تفكيك الحداثة للمجتمعات التقليدية، وألفتها، بغيةإضعافها، والحفاظ على السيطرة عليها، وهي أزمة "الكورونا"، فكانت موضوعاً من الموضوعات المتعدّدة التي عمل عليها،كما قال.

أضاف: "عندما مررنا بمرحلة الكورونا، اشتغلت على موضوع العزلة حتى ما بعد مرحلة الكورونا، وعندما عشنا فترة الكورونا،لاحظت أن الكلّ عاد يجلس مع بعض، لكن يبقى كل واحد على هاتفه، معرباً عن محبته تجريد لوحاته من كل ما يتعلقبالشاشة، "علّنا نعود للتواصل الانساني، على حد تعبيره.

الحياة التقليدية جميلة بنظر فخري، لمسها في قوقعة الكورونا القسرية، ف"عندما عشنا مرحلة الكورونا، لاحظت كيف عادشيء من التواصل الشخصي بين الناس، وصار هناك تعاطٍ أكبر من السابق مع أولادي، وصرت اعرف هواياتهم، وميولهم،وماذا يحبّون وماذا لا يحبون، وكبر التواصل بيننا، وفي العائلة الكبيرة، عدنا، والتقينا وتفاعلنا أكثر من السابق.

تعابير فخري تشير إلى المدى الذي بلغه تفكك المجتمعات، بلوغاً للأسرة، لكن الروابط العاطفية التي جمعت الناس فيالحيّ، والجيرة أيضاً ضربتها التكنولوجيا: "قبل ذلك، كنا نعرف كل شخص في الحيّ، وكل أهل البناية، لكن حالياً، أكاد لا أعرفإلا واحداً أو اثنين لا أكثر، وسبب ذلك الإفرادية التي سببها الإفراط في استخدام التكنولوجيا علينا، وكيفية تعاطي الناس معبعض.

وقد اكتشف فخري متأخراً إن "التواصل عبر الشاشة لا يتيح التواصل الشخصي، وبذلك يحرم الناس أهمية الحميمية فياللقاءات الشخصية وحتى في التعارف، فقد كانت العلاقات جميلة بين الناس سابقاً.

المعرض

يعود فخري إلى معرضه، وهو الثاني الإفرادي، ويلاحظ إنه "في افتتاح المعرض في أجواء مكتظّة بالحضور، قارنت ما بيناللوحات، وبين الحضور المتواصلين فيما بينهم، وكأنني أقمت في لوحاتي تركيباً طبيعياً لما هو موجود في التواصل بينالحاضرين، وكأن اللوحات أصبحت مرآة لصالة العرض، والمجتمع الذي كان موجوداً فيها.

ويضيف: "من خلال مجموعة متنوعة من التعبيرات الفنية، أحسست أن عملي يكرّم العلاقات الصادقة سواء تم نقلها منخلال الكلمات المنطوقة، أو الإيماءات الصادقة، أو اللمسات الدقيقة لتعابير الوجه.

وحفاظاً على مضمون موضوعه، والتركيز على معناه، وخلفياته، لم يُعطِ لتكاوين الوجه البعد الصافي، والحدود الواضحة مركِّزاًأن تكون فكرة الترابط هي الأساس، لذلك يقول: "رسمت الوجوه بطريقة تعبيرية وعندما شعرت أنها تأخذ من قوة الموضوع،والمتلقي يركز على الأعين والوجوه، والوجه في اللوحات قرب الوجه الآخر، أحببت أن أخفف من حضور الوجوه، وأترك تعابيرالجسد أن تتحرّك بديناميتها في اللوحات.

إضافة إلى ضرورة التركيز على دينامية التفاعل، اعتمد رسم أشخاص افتراضيين، بطريقة التشخيص، وبأسلوب تعبيري،ف"الأشخاص الذين رسمتهم ليسوا من الذاكرة، وإنما لهم انسيابية خاصة بي"، بحسب فخري الذي لا تهمّه مسألةالمناسيب في الأوجه والأشكال، كما قال، "إنّما فضّلت حركة الجسد تظهر في ديناميكية معينة، وأخلق ما هو خاص بي،لذلك يظهر الأشخاص وكأنهم مركّبون تركيباً وليسوا من الذاكرة.

الفنان

يجمع فخري بين حداثة فرضت نفسها على العموم من البشر، لكنها شكّلت الذاكرة الوحيدة لأبناء الجيل الجديد، جيلالمرحلة الرقميّة. غير أن فخري يحمل بذور التقليد من خلال انتمائه لعائلة ريفية، ولأنه رضع الفن في أكناف عاطفيّة معفنانين من العائلة، فهو ابن الجيل الثالث بعد جده، وأمّه اللذين اهتما بالفنون كهواة.

حاز الماسترز من "الألبا"، وحاز على منحة لمتابعة دراساته العليا في جامعات باريس للفنون، كما تدرّب في محترف أساتذةفن فرنسيين كبار، منهم Yannick Guegan.

شارك في العديد من المعارض الجامعة في لبنان، وسويسرا، ولندن والولايات المتحدة الأميركية، ومثّل لبنان في مسابقاتعالمية في الحفر والنقش، ونال عدة جوائز عالمية، ويعطي دروساً في فنون التشكيل، والرسم، والحفر، والتصميموال"Trompe-l'oeil” (تقنية فنية ثلاثية الأبعاد) منذ العام 2003 في "الألبا" حيث تخرّج.





الكلمات الدالة

معرض الصور