في خطوة تمهيدية للمسرحية التي يقوم "المسرح الآخر" بإنتاجها، تحت عنوان "مي زيادة ليالي العصفورية" المقتبسة عن رواية بالعنوان عينه للكاتب الجزائري واسيني الأعرج، استضافت جامعة الأنطونية في بعبدا، بالتعاون مع مؤسسة "المسرح الآخر- أكاديمية الممثل" لقاء بعنوان "مي زيادة..أتمنى أن يأتي بعد موتي من ينصفني".
فعاليات متنوّعة شهدها اللقاء، تمّ خلاله عرض مشهد مسرحي، وحواريات، تناولت الأديبة الراحلة، وما رافق حياتها، خصوصاً في مراحلها الأخيرة، من اتهامات جنون، إضافة إلى مداخلات أضاءت فكرها، ونضالاتها الثقافية.
بدأ اللقاء بعرض مشهد من المسرحية، قدّمته الممثلة المسرحيّة الدكتورة ماريا كريستي باخوس، تبعته تلاوة من نص لميّ زيادة، ألقاه المسرحي الدكتور طلال درجاني، وفيه مناجاة من مي لجبران خليل جبران، ولبيروت تستنجدها في أزمتها، تحكي فيها كيف أُلقيت زوراً ببيت المجانين.. العصفورية.
وتحدّثت الدكتورة إلهام كلّاب عن مي في عصرها، ثم تطرّقت إلى إشكالية النهضة العربية التي لم تكن نهاية القرن التاسع عشر، إنما بداية القرن العشرين حيث برز رجال مفكرون وفلاسفة ومصلحون إضافة إلى أن النهضة كانت "تَحَفّز وتحفيز ويقظة"، وفيها أن "النساء انطلقن نحو فضاء جديد حيث أسهمن بجرأة فكر، وريادة في الإبداع الثقافي، والتطوير الاجتماعي، والنضال السياسي المتحرر من أسوار المجتمع، وحكم التقاليد، وكانت مي زيادة من رائدات تلك المرحلة”.
وقالت كلاب إن مي من جيل نساء ثائرات، رائدات، وكانت أشهر كاتبات عصرها، وأكثرهن إنتاجاً، فملأت أعمدة الصحف، وتحوّلت إلى أيقونة إنسانية فريدة في تألقها، وأسلوبها، وليس فقط في تاريخ النهضة العربية.
وساهم أمين ألبرت الريحاني في الندوة بمداخلة بصيغةٍ حواريّة بين ميّ والمفكر أمين الريحاني، مستلهما حياة مي في استضافة الريحاني إثر خروجها من "العصفورية"، وقدّمت باخوس الحوارية في دور ميّ، والممثل عاطف العلم في دور أمين الريحاني، في لغة تُظهر النزعة الرومنطيقية في بداية النهضة الأدبية الحديثة.
تضمّنت الحوارية ما دار بين الريحاني ومي زيادة عندما زارها في مشفاها، وكانت عاتبةً لإهمالها من قبل أصدقائها الكثر، وما كان من الريحاني إلا ان اقترح عليها إعداد نصّ وعدها بتأمين تقديمه كمحاضرة في الجامعة الأميركية ببيروت في محاولة لإزالة صبغة الجنون عنها، واستعادة ثقة الجمهور بها. وقد كتبت نصّاً، ومما قالت فيه: “الأديب المظلوم هو عنوان للوطن المظلوم والأمة المظلومة، أما الأديب الحرّ، الذي يسهم بتقدم وطنه وازدهاره، فهو عنوان للوطن الحر المزدهر، والأمة المتمتّعة بحريّتها ونهضتها ويقظتها المباركة”.
بين حضور محاضرة ميّ في الأميركية، في حينها، كان القاضي الذي أصدر حكمه بتحويلها إلى مستشفى الأمراض العقلية، ولما سمع ما تقول، بحسب النص، عبّر عن قناعته بنبوغها، وبأن اتهامها بالجنون كان خطأً.
يقول النقاد، ومتتّبعي مي إن المحاضرة أعادت لها ثقتها بنفسها، وبعد المحاضرة استضافها الريحاني في الفريكة لفترة من الزمن.
بعد الحوارية، قدّم الكاتب الجزائري واسيني الأعرج مداخلة مسجّلة، مسبقة التحضير، تناول فيها ميّ التي قدّمت الكثير، كا قال، وحيث وضع رواية عنها استغرقته سنوات بعد متابعة أخبارها، وزيارته لمقرات ولادتها، وإقامتها في الناصرة بفلسطين، مسقط رأسها، وفي شحتول وعينطورة وبيروت، حيث عاشت ودرست، وفي القاهرة حيث أقامت صالونها الأدبي، وفي العصفورية حيث أقامت رغماً عنها، وقبرها، ومختلف مطارحها.
ومما قال الأعرج إنه "آن الأوان لإعادة الاعتبار لمي، وأن تنصف بما فيه الكفاية"، ووصف كتاباتها ومنجزاتها بأنها "أجمل كتابات بالنسبة لامرأة".
وذكر الأعرج إنه عندما كتب الرواية، انطلق من عبارة لميّ: “أتمنى أن يأتي بعد موتي من ينصفني"، وتحدث كيف تتّبع أثرها، وأماكنها قبل وضع الرواية.
وعرض الأعرج كيف التقى بدرجاني، واتفقا على تحويل الرواية إلى نصٍّ مسرحيّ، عندما شحّت النصوص المماثلة في العالم العربي مقارنة مع بقية دول العالم الناهضة.
خلفيات المناسبة، واللقاء في الجامعة الانطونية، تناولته الدكتورة باخوس في لقاء مع "redpeace"، وهي التي ستؤدي دور مي في المسرحية التي يؤمل أن تعرض أوائل الخريف المقبل، فذكرت إن "اللقاء يأتي في سياق سلسلة ندوات عن مي زيادة بدأت في قرطاج وجمعت الكاتب الجزائري واسيني الاعرج، والدكتور المسرحي طلال درجاني، وتحادثا عن مي، الرمز الكبير، وعن المسرحية التي تمت عنونتها: مي زيادة: ليالي العصفورية".
باخوس ذكرت إن "الفعالية مقسّمة على عدد من المدن اللبنانية والعالمية، وتضم ندوات وعروضاً، وأبحاثاً عن ميّ تفيها حقّها، وتستمد من فكرها، وقضيتها الكثير من المعاني الانسانية التي يحتاجها العصر”.
ووصفت مي ب"نابغة العرب"، مشيرة إلى ما قالته في محاضرة الجامعة الأميركية: “إن كل حضارة تقاس حريتها وعبوديتها بحرية وظلم أدبائها".
ورأت باخوس إن فكرة تناول مي زيادة كقضية، ليس غايته إنتاج فيلم أو مسلسل مسجّل عنها، بل تقديم صورة حيّة لها على المسرح الحيّ، في فضاء العصفورية، بكل الأحداث والظروف التي عاشتها، وتم تداولها بأطر مختلفة، وتبين لنا إنها كانت محاطة بمؤامرة التشكيك بفكرها، وبحسب رؤية المخرج للمسرحية الدكتور درجاني، فقد جرى تناول المسرحية بأبعد من فكرة الظلم، إنما فكرة "التخلي الجماعي" الذي يمارسه من هم معنيون بأمر ما، في موقف محدد”.
"التخلي الجماعي" يشير إلى مسؤولية الانسان في ممارسة دور مطلوب منه، لكنه لا يتولاه، وترى باخوس وفقاً لما انخرط به فريق المسرحية، إننا "نحكي عن الظلم، وكأن هناك انسان واحد مسؤول عنه، مما يدفع الأفراد للتخلي عن مسؤوليتهم، فالانسان الذي يسكت أو يتآمر و يخاف أو لا يتأكد ويصدق، فهو مشارك في الظلم، ولولاه لما تم الظلم".
وعرّجت باخوس على دور أدباء النهضة، وموقفهم من قضية ميّ زيادة واتهامها بالجنون: “لو كل أدباء النهضة الذين عايشوها تأكدوا من هي مي زيادة لغيروا موقفهم تجاهها في أزمتها".
وتحدّثت عن عبقرية زيادة التي نطقت بتسع لغات، فكانت متقدّمة في عصرها، وكونها نابغة وصفت بالجنون، وهناك عبارة في المسرحية تقول: "كل شخص لا يعجبهم بأفكاره يصبح مجنوناً"، وما أوصلها إلى الحصار الذي عاشته في العصفورية هو عدم قدرتها على المساومة بأفكارها".
باخوس، في معرض حديثها عن دقة الدور الذي ستؤديه في المسرحية، قالت إنها زارت أماكن إقامة وزيارات وحياة مي في لبنان، إضافة إلى قراءتها رواية الأعرج عنها عدة مرات".
725 مشاهدة
29 فبراير, 2024