حقق الموسيقار والملحّن اللبناني الدكتور هيّاف ياسين إنجازاً جديداً بفوزه بالجائزة الدوليّة الأولى في تلحين الموشّح في مسابقة أطلقها "المجمع العربيّ للموسيقى".
المجمّع منبثق عن جامعة الدول العربية أواسط سبعينات القرن الماضي، ويهتم بحيّز الموسيقى العربية في كلّ الأوطان العربية، ويشارك بها عرب وغيرعرب، وقد فاز بها من غير العرب مرارًا، منها إيطاليّ سنة 2014.
هذا العام، أطلق المجمّع مسابقته العالمية الدورية في التلحين، والتأليف، طارحًا إطارًا يتناول قالب الموشّح الموسيقيّ الذي نشأ في حلب، وهو غير الموشحالشعري الأدبي الذي نشأ في الاندلس، وغير الموشح الزجليّ الموجود في التراث الموسيقيّ اللبنانيّ، على ما أفاد ياسين به "الميادين الثقافية”.
ويوضح ياسين إن "المسابقة اشترطت هذا العام أن يكون الموشح على تلاحين جديدة مع المحافظة على نفس القالب القديم، الذي يُبنى من دور أول، ودورثانٍ، وخانة وقَفْلة، وإضافة تجديد فيه، يبرّر للجنة مختصّة تحكيم هذه المسابقة”.
شارك ياسين بموشّح من نظم شعر لسلطان العاشقين عمر ابن الفارض، بقصيدته الشهيرة "أخفي الهوى"، موضحاً إنه "تمّ تلحينه من مقام بيّاتي المحيّر،متضمّنًا مرحلة من الارتجالات الهنكيّة في خانته على الضرب الإيقاعيّ المطوّل المعروف باسم "العويص".
عبارات موسيقية دالّة على عمق موسيقي، وعمق في قلوب المستمعين، لكنها غريبة عن فهم العامة، يوضحها ياسين الميّال إلى التربية الموسيقية في عمله،شارحاً إنه "بثقافة الموشح العربيّ، منذ نشوئه في نهاية القرن السادس عشر، جرت العادة أن تكون ارتجالات الهنك فيه تسير على ضروب إيقاعية صغيرة،ثنائيّة، أو ثلاثية، وصولًا إلى العشريّة منها (كضرب السماعي الثقيل)”.
وهكذا جرى تقديم موشّح أخفي الهوى مع عناصر التخت الموسيقيّ الشرقيّ الخاصّ به، الذي امتدّ على مدار 9 دقائق”.
لآلية الاشتراك بالمسابقة دينامية خاصة متشدّدة بسريتها حفاظاً على موضوعية التحكيم، وبناء على هذا المفهوم، يرسل المشترك العمل الموسيقيّ مقفلاً،مغفًّلاً بلا أسماء، بحسب ياسين، مضيفاً إن "المجمّع تعهّد بإيصاله إلى لجنة تحكيم غير معروفة”.
بنتيجة التحكيم، أعلن المجمع فوز ياسين بالمركز الأوّل، وتمّت دعوته إلى القاهرة، وتسلّم الجائزة من وزيرة الثقافة السابقة في مصر الدكتورة إيناس عبدالدايم، رئيسة دار الأوبرا المصرية حتى سنة 2018، وعازفة فلوت عالمية، حيث تمّ عرض الموشّح سماعيّاً أمام مندوبي الدول العربية، والوعد بعرضه فيإحدى أمسيات دار الأوبرا المقبلة.
يعبّر ياسين المولع بالموسيقى الشرقية، والمتعمّق فيها، عن سعادته في أن يكون الُمجمّع قد أعاد طرح الاهتمام بالقوالب التقليديّة، في ظل انتشار نزعةالتحديث في الموسيقى العربية، كما يلاحظ، معلّقاً على أهميّة "احترام كلّ التيّارات"، ومؤكّداً إن "هذا المسار يجب أن لا يكون المسار الوحيد، بل الصوابفي وجود تيارات عديدة لكلّ الأنماط، والمسارات الفكريّة الموسيقيّة، فهناك من يهتم بالموسيقى العربية الاصيلة، وبالأصالة والتأصيل، ويقدّم نتاجه علىقاعدة التجديد من داخل الأصالة، كما يمكن أن نجد أن هناك من يبحث عن التحديث مع إدراج عناصر موسيقيّة غربية فيها”، خالصاً إلى القول في هذا الصددأن "العدل هو في إتاحة المجال لهذين التيّارين في العمل والانتاج والنشر”.
يطغى على المبادرات الموسيقية الشابة طابع التغريب، أو المزج بين الغربي والشرقي، بينما قلّة من الموسيقيين تتجرّأ على التزام الأصالة المشرقيّة البحتة،لذلك شكّلت مبادرة "المجمّع العربي للموسيقى" بإثارة مسابقة الموشح الأصيل "فرصة لنا استطعنا الدخول عبرها، للحصول على الجائزة، بنظر ياسين،موضحاً أن "الموسيقييّن المشاركين هم من فئة الشباب، مما يؤكّد أنّ للموسيقى الأصيلة مساحة للعيش في نفوس المجتمع بشكل عصري”، بحسب وجهةنظره.
وبالمناسبة، دعا ياسين الشباب الموسيقيّ إيلاء الاهتمام للموسيقى العربية، لأنه "يمكن لميولهم أن تتّسق أكثر مع ما هو رائج، والدعوات الملحّة للتحديث قدتأخذ اهتمام الشباب بهذا الاتجاه، إلّا أن طرح المسارين قد يكون المثال الأكثر عدلًا لهم، فهو يجعلهم يقومون بالاختيار انطلاقًا من أهدافهم ومكوّناتهمالثقافيّة”، قال خاتماً حديثه عن حيثيات الفوز بالجائزة.
ياسين
مواليد إيران 1981، لكنّه ينتمي لعائلة من منطقة عكار أقاصي الشمال اللبناني، اهتم في بداياته بالعزف على البيانو، وخلال متابعته دراسة الموسيقى فيالجامعة اللبنانية، تحوّل إلى موسيقى النهضة العربية، وتعرّف على آلة "السنطور" إلى أن حصل على الدكتوراه في الموسيقى وعلم الموسيقى، متخصّصاًفي علوم التّربية الموسيقيّة.
أسّس 2003 فرقة "التراث الموسيقي العربي"، ويحتل حالياً منصب رئاسة قِسم الموسيقى العربيّة، وقسم الموسيقولوجيا في كليّة الموسيقى وعِلم الموسيقىفي الجامعة الأنطونيّة (لبنان)، وهو مؤسّس "بيت الموسيقى" في النّجدة الشّعبيّة اللّبنانيّة، ومديره العام، كما إنه عضو مجلس "موسيقى العالم العربيّ" التّابعللمجمع الدّولي للموسيقى التّقليديّة (ICTM)؛ (2021-2023).
درّس الموسيقى في كلية التربية - الجامعة اللّبنانيّة (2008-2022)، له 13 ألبومًا موسيقيًّا، ومخترع "السّنطور" (القيثارة العربيّة) في شكلها التّربويّللأطفال (2005)، ومطوّر النموذج المحترف منه ليناسب الموسيقى العربيّة المقاميّة.
كما أن له إنجازات أخرى كثيرة منها إنّه أحد مؤلّفي كتاب "منهج في التّربية الموسيقيّة المشرقيّة المدرسيّة" (2013)، وهو قائد "فرقة التّراث الموسيقيّالعربيّ" (المختّصة بالتّقاليد الموسيقيّة العربيّة) (2001-2023)، ومُعدّ ومقدّم برنامج "مئة عام من الموسيقى العربيّة" في إذاعة الشّرق 2013 (لبنان)،ومدير الفريق الموسيقيّ البحثيّ الدوليّ، الذي بنى معايير الموسيقى للمناهج وللمعلّمين في المملكة العربيّة السعوديّة (2021-2022)، وله كتب ومقالاتعلميّة عديدة منشورة في مجلّات متخصّصة.
518 مشاهدة
18 أبريل, 2024
647 مشاهدة
11 مارس, 2024
536 مشاهدة
10 مارس, 2024