RedPeace

موسوعة السينما أميل شاهين: عندما كانت السينما ملاذ شباب الستينات

آميل شاهين اسم لامع في عالم السينما، ويمكن وصفه بموسوعة السينما العالمية، وربما لم يترك فيلما سينمائيا عالميا إلا واطلع عليه، ويعرف حيثياته من المنتج إلىالمخرج إلى الممثلين الأساسيين.

بدايات بروز شاهين، كانت في برنامج "المتفوقون" على تلفزيون لبنان 1980. لمتخنه ذاكرته طوال حلقات البرنامج الذي استمر لأكثر من سنة، ولم يفته سؤال لم يرد الإجابة الصحيحة له.

أسس منذ نحو خمسة عشر سنة، "مؤسسة آميل شاهين للسينما ومن أولى إنجازاتهاالفيلم الوثائقي "ريمون جبارة" الذي وثق للمخرج والمسرحي ريمون جبارة، وعبره للمسرح الحديث فيلبنان.

ليست مصادفة أن يحمل آميل شاهين كل تلك المواصفات، فهو فتح عينيه على السينما، بعدما أنشأ والده دار "الأمبير" في طرابلس، وكانتمدرسته السينمائية الأولى حتى ريعان شبابه.

المخرج قاسم اسطنبولي أحيا الدار بعد توقف منذ سنتين، وحوّلها مركزاً للمسرح والسينما العربية، وشهدت عدة محطات فنية سينمائية ومسرحية.

يروي شاهين أن والده شاد مبنى من عدة طبقات على ساحة التل الشهيرة في طرابلس أوائلالثلاثينات، وكان صيت النهوض السينمائي الوافد من العالم إلى لبنان يتصاعد، والاهتمام بالسينما يتنامى، فأنشأ والده في المبنى الجديد الذي شاده، صالة سينمائية شجعه عليها أشخاص اهتموابالاستثمار السينمائي وهم من آل قطان وحداد الذين ملكوا عدة دور سينما (circuit ) اسمها "أمبير".

يضيف شاهين: "لمس والدي أن الثلاثينات تحمل اهتماما بالسينما، وفيها مستقبل عمل جيد. وكانتتلك الفترة أول انتقال السينما من الصامت إلى الناطق. فأجر السينما، وعندما أبصرت النور، كان بيتنا فيبناء يعلو الدار، وبقربه توجد صالة سينما أخرى هي سينما "دنيا" تعرض الأفلام العربية. ولأن التهوئةوالتبريد لم يتوافرا في ذلك الحين -أواخر الأربعينات وأوائل الخمسينات- كانت إدارة السينما تفتح النوافذ،مما مكنني من أن أحضر الأفلام العربية عبر النافذة. ولأن والدي بنى سينما "أمبير"، أتيحت لي إمكانيةالدخول مجانا لحضور الأفلام. لدى عودتي من المدرسة، أحضر إلى السينما فتفتح لي الأبواب.

ويتابع: "لم يكن التلفزيون قد ظهر بعد، فتأمنت لي ظروف الاهتمام الواسع بالسينما. واكتشفت معالوقت أنني أتمتع بذاكرة مرئية جيدة، ورغبة بالأشياء البصرية".

ولع شاهين بالسينما دفعه لتتبع المجلات التي تهتم بالمجال، ويقول: "أذكر أنني اكتشفت وأنا لم أزلصغير السن أن هناك مجلة تصدر بلبنان اسمها "سينما الشرق" (Cine d'Orient)، وصرت أشتريها واتابعبواستطها الأفيشات المنشورة، وصارت من هواياتي أن أجول على السينمات العديدة التي نشأت فيطرابلس للإطلاع على الأفيشات الجديدة، وهكذا شعرت أن الأفيشات تنطبع بذاكرتي، وأحفظ منهاأسماء الممثلين، والمخرجين، وعندما كنت أحضر الفيلم أكثر من مرة، إن الأفلام العربية في سينما دنيااو الأجنبية في الأمبير، صرت أشعر أنني أفهم الفيلم أكثر، وأكتشف جديدا عندما أحضر الفيلم عينه مرةبعد مرة.

ويستنتج: "حيث لا أدري تكونت لدي مع الوقت القدرة على تحليل الأفلام، وتقويمها، وفهمها جيدا إنعلى خط السينما الأجنبية أم السينما العربية.

سينما ناشطة ونواد

كانت السينما الملاذ الأساس للتسلية لأبناء الخمسينات والستينات، حيث انتشرت العديد من دورالسينما، ولم يكن للشباب ما يلهون به في أوقات فراغهم سوى السينما، فمارس شاهين هوايته معأترابه، ومع تطور الوقت نمت لديه ذاكرة ومذاق واهتمام سينمائي خاص ساهم بها وجود دارين قرببيته. يتذكر شاهين أنه "عندما جاء فيلم "هيروشيما حبيبي" أو فيلم "لانوتي" لأنتونيوني، فقد تذوقتالفيلمين بينما اعتبر أصدقائي أنهما مضجران. وأعتقد أن كثرة ارتيادي لحضور الأفلام في جوار منزلي،علاوة على الأفلام الأخرى، أسس لدي حسا خاصا بالسينما، ولم يعد مذاقي السينمائي يقتصر علىحب سينما الأكشن التي يميل الشباب إليها. ثم اهتممت بمجلات السينما مثل "مجلة السينما" (Revue de Cinema)، أو "دفتر السينما" (Cahier de Cinema)، و"السينما العالمية" (Cine Monde)،ومجلات أجنبية أخرى، ومع الوقت اكتشفت أنه خلال النقاشات على الأفلام مع زملائي، كانت آرائيمتقاربة، وربما متطابقة مع ما يكتب من آراء حول الأفلام.

مراكز ثقافية أجنبية

مع تقدم الوقت، وفي الستينات ومطلع السبعينات، تأسست في المدينة فروع لمراكز ثقافية أجنبيةاهتمت بتقديم عروض سينمائية، ومنها المركز الثقافي الفرنسي والمركز الثقافي الألماني (غوته)،وغيرها، وعرضت أفلام 16ملم، يتحدث شاهين عن تلك الفترة ذاكرا: "بدأت أفكر انطلاقا من ذلك،بتأسيس نواد سينمائية نعرض فيها الأفلام مع المهتمين ونناقش بها. بدأت بهذا النشاط في الستيناتوأنا لم أزل في طرابلس، وقدمت "نادي السينما المستمر" في "نادي الجامعيين" بالاعتماد على افلامال١٦ ملم التي كنا نحصل عليها من "المركز الثقافي الفرنسي" أو مثيله "الالماني. وتطور التلحليللدي مع تنامي الأنشطة في الأندية السينمائية. ووجدت أنني أتعمق بالأفلام وأحللها، والذاكرة المرئيةلدي تجعلني أحفظ أسماء الممثلين ثم صرت أكتشف أن هناك ما هو وراء الفيلم، وهو المخرج، الذييعطي الخلق الفكري والفني للفيلم. وصرت أتابع الأفلام من خلال المخرجين، وألاحق ذلك عبرالأفيشات، فتكون لدي حب معمق وتفصيلي للسينما. صرت أحضر وأشارك في أي ورش عمل أو تدريباتعلى التصوير المتحرك، وكذلك تابعت المدارس التي تثقف على السينما بالمراسلة، وعندما كان هناكضرورة للسفر لحضور أفلام معينة، أو اشارك بمهرجانات، فلم أكن أتوانى عن ذلك.

مجلات سينما

في تلك الأثناء، أسس أحد المخرجين المهاجرين اللبنانيين، وهو جورج شمشون في أميركا، مجلة فنية،وكان اسمها "فيلم" وصدرت بالعربية والفرنسية والانكليزية، وأنشأ مجلتين صدرتا في الوقت عينه،واحدة تنقد بالعربي، والثانية بالفرنسي والانكليزي، وطلب من هواة السينما من أصحابه الكتابة فيهما،وكان آميل شاهين أحد هؤلاء الكتبة. يقول عن ذلك: "تبين لي مع الوقت أنني أنقد جيدا لكن كانت لديصعوبة بالكتابة والتعبير الجيد الذي يمكن بواسطته أن أوصل الفكرة بطريقة سليمة. كتبت الكثير، لكنبتعب وصعوبة، واشتركت أنا وأحد الزملاء- جورج كعدي- بالكتابة. كن اتفقت مع جورج على أن أعطيهالفكرة ويتولى هو صياغتها. أدركت أن هناك أشخاصا مؤهلين للشرح بالكلام وآخرون بواسطة الكتابة.غير أنني وصلت لمرحلة عرفت فيها أنني أملك اطلاعا واسعا على كل سينما العالم، فكنا نهتمبالسينما حيث أتت، شرقا وغربا، ولم أكن أوفر فيلما مهما كان مصدره أو لغته.

ويتابع: "حرمت من بعض الأفلام بسبب الرقابة، أو سوء التوزيع التجاري، لكن كنت على معرفة بها،وعندما كنت أسافر لسبب ما أسعى لحضورها. وآتي بالدليل عنها، وأحضر الأفلام التي كانت تنقصنيفي أي بلد كانت عبر الباص أو المترو أو الطيارة، لكن مع ظهور الفيديو والدي في دي، صرت أعرف أنه لم يعد هناك فيلم صعب العثور عليه. اليوم، أي فيلم نطلع عليه، نستطيع الحصول عليه بسهولة.

ولم يشأ التباهي بالإلمام بكل الأفلام المنتجة عالميا، ويقول ردا على سؤال: "لا لأن اهتمامي أصبحاختياريا مؤخرا. كانت الانتاجات السينمائية أكثر وضوحا، اليوم توسعت بطريقة لم يعد انسان قادراً أنيحوط بها كلها. لكن الأكيد أن كل فيلم يحكى عنه، ويسمع به، أجرب أن أحصل على نسخة منه لحضوره.

انتقل شاهين إلى بيروت لمتابعة دراسته الجامعية أوائل السبعينات، بينما منعته ظروف عائلية منالسفر، وانطلاقا من برنامج "المتفوقون" انفتحت أمامه أبواب المساهمة بثقافة سينمائية للتدريسبالجامعات والمعاهد. يعلق على تلك الفترة: "في تلك الفترة كانت حركة الجامعات تعيد إنطلاقتها لأنهناك من أسسوا الجامعات قالوا لي أن تدريس السينما قادر أن يكون من خلال الثقافة التي قومتها،فكانت المعلومات التي عرضت في المتفوقون حافزا لتدريس السينما في الجامعات.

ويتابع راويا تطورات حركته، فيقول: عندما تأسست معاهد السينما، كان لي دور أن أكون احد الأساتذةالأوائل بعدة جامعات لتدريس السينما، ولا أدعي أنني دخلت بالتكنيك السينمائي، بل تعليم تاريخالسينما وتحليل الأفلام، وكانت أول جامعة درست بها هي الجامعة اللبنانية، وكان أكثر الممثلين منالجيل الذي يظهر الآن على ساحة التمثيل والإبداع السينمائي والمسرحي والتلفزيون ، هم طلابالتقيت بهم في الجامعات، وتعاملت معهم، وساهمت بتوسيع ثقافتهم السينمائية بدءا من ١٩٨١بمعهد الفنون. ثم دخلت إلى الألبا، ثم جامعة سيدة اللويزة، وكنت أتابع التدريس فيها كلها، مع متابعةالتثقيف السينمائي في تلفزيون لبنان، ولاحقا بمحطة "أل بي سي"، وكنت اختار الأفلام فيها، وقدمنابرنامج نادي السينما، واخترت البرامج التثقيفية في ال "ال بي سي. وكنت من الناس الذين آمنوا أنالتلفزيون يجب أن يقدم ثقافة، وقبلت بالدخول إلى التلفزيون، حتى نعمل برامج ثقافية. وصلنا إلىمرحلة تكاد الثقافة الفنية تنعدم في التلفزيونات، فصرت أركز على العمل في الجامعات. أدعم طلابايصنعون أفلامهم، ونشجع الأفلام اللبنانية الناجحة، ونؤمن مع زملاء آخرين دعم إنتاج وثائقيات عنالسينما والفن.

مؤسسة السينما

ويتحدث عن نشوء مؤسسة آميل شاهين: لم أرغب في إنشاء هذه المؤسسة منعا للتباهي باستخداماسمي. لكن انطلقت المؤسسة كأمر واقع حيث تضافرت جهود عدة أشخاص اشتغلنا معا، ودعمتهملكي يحبوا السينما، وهم فرضوا أن تقوم المؤسسة، ووجدت أن فيها المفيد بتقديم شيء للسينما.واختاروا زوجتي لتكون رئيسة المؤسسة نظرا لالتزامها، وسعة إطلاعها. شعرت أنني أعطيت بمحبةلتثقيف السينما، والآن ألاحظ أن هناك العديدين الذين يحبون ان يقدموا شيئا ما للمؤسسة، أو عبرها،دون الدخول في صيغة منتظمة وقوانين محددة.

الكلمات الدالة

معرض الصور