ناقش اللقاء الذي استضافته كلية الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية- الفرع الثالث، إشكالية الموسيقى اللبنانية، وترابطها مع الفنون البصريّة، ومواضيع أخرى ذات صلة.
ارتكز اللقاء على كتاب "بيان الموسيقى اللبنانية" لمؤلفه الدكتور جان بالشيون الذي تناول تاريخ الموسيقى من وجهة نظر اجتماعية، وسياسية، واقتصادية.
قدّمت اللقاء الدكتورة عاصفة الحلّاب-استاذة وناقدة فنية في كليّة الفنون في الجامعة اللبنانية- ورأت فيه قراءة في "صيرورةالتطوّر والابتكار، وفي الكيفية التي من خلالها ينتج الإبداع”.
بعد أن قدّم بالشيون كتابه، تناولت حلّاب محور "الهوية والتراث" متسائلةً عن كيفية قراءة الانجازات الفنيّة في مقاربة الهويّة الاجتماعيّة من خلال الإنتاج الفني الموسيقي، باعتبارها نتاج شعوبها، والشخصيّة القوميّة، وهي ماضي وحاضر ومستقبل الشعوب"، وقالت: "كي تكون هذه الهويّة فعّالة ومنتجة ومبدعة، فهي بحاجة الى مناخ من القراءة والفلسفة-إيديولوجيا- وبدونها لن تتشكل هوية الفنان، ولن تظهر هوية المجتمع”، كما قالت.
ثم تحدّثت عن التفكير الفردي المتحرر، وفق ما طرحه بالشيون في كتابه، "بوصفه نتاج كينونة الإنسان وميزته، الى جانب كيانات أخرى يتشارك معها الأرض والهوية واللغة، وهذا ما يعبر عنه بالتفكير السيمفوني”.
ورأت حلّاب مسألة مقاربة التطوّر ضمن الفرديّة والخصوصيّة بوصفها معبرة عن الذات الى جانب ذوات أخرى، ويُفَسَّر ذلك بالفعل التشاركي الكوني، الذي يتسابق الجميع لصياغته، والتعبير عنه واحداثه"، وهو بنظرها، "انفلات نحو ابتكارات وعوالم جديدة تتنبأ بالمستقبل”.
واعتبرت الحلّاب أن "المقاربة الفنية، وتجربتها حول مسألة الهوية، والتميّز، والتطوّر لم تأتِ في المجتمعات الأوروبية من فراغ، ولم تكن مُراكَمَةً، ونَسْخاً للموروث والتقليد، ولكنها كانت دفعاً تغييرياً محتومأً بفعل التطّور السياسي، والاقتصادي في تاريخ المجتمعات الأوروبية، التي تمكنت من التحرر”.
وخلصت إلى ما أشار إليه نيتشيه، وقبله شوبنهاور "هدم العلاقة مع الماضي"، وذلك بقصد التحرر وليس نبذه، مستدركةً أن "التحرر من الماضي بقصد بناء شخصية وهوية جديدة، خاصة اذا كان هذا الماضي لا يتناسب مع الحاجات والمتطلبات الراهنة"، مؤكِّدةً على "التمسك بالتراكم المعرفي (التراث والتقليد) وأخذ النافع، والملائم منه".
الدكتورة تريز فرنسيس -استاذة الفنون في كلية الفنون في الجامعة اللبنانية- عالجت العلاقة التاريخيّة بين الموسيقى واللّون، ذاكرةً أن دراسة الموسيقى بدأت مع القارّة العجوز، حيث أعطت اليونان القديمة منظِّرين، وعلماء، وفلاسفة أورثونا كتاباتهم ودخلت تاريخ كلّ المفاهيم مرجعاً وقد تأثَّرت بها كلّ الحضارات التي تَلَت.
وعادت إلى بعض المنظِّرين في الموسيقى واللّون، مثل "بيتاغور"، و"أرسطو"، ثمّ إلى منظِّري النهضة، وما بعدها حتى يومنا، لأنّه-برأيها- "بعض الأدب متأثِّر بالموسيقى في الأدب الأوروبيّ”.
أمّا لغويّاً، فهناك تعابير تعبّر عن ترابط وتقاطع الفنون مثل "لون الموسيقى"، "موسيقى اللّون"، "أحمر صارخ"، ورأت إنها "ليست ظواهر اعتباطيّة، وهي تبدو شعراً او تعابير بيانيّة، إلّا أنّ السؤال الذي يُطرَح هنا: هل هي عفويّة أم واعية؟"
وقالت إن أندريه جيد André Gide كاتب بقدر كونه عازف بيانو، وقد كتبLa symphonie pastorale
وآلة الكزيلوفون هي مساهِمة في تصوُّر اللون مع إيقاع معيَّن، أمّا فرانس ليزست فقد توجّه إلى أوركسترا ويمار بالقول: "يرجى العزف باللّون الأزرق أكثر بقليل إنّما بأقلّ من الورديّ بوضوح".
ودعت إلى إعادة قراءة في تاريخ كلّ من الموسيقى واللّون، وتثبيتها لتصبح حواراً للفنون حاضرة في الأذهان المثقَّفة".
الدكتورة ديانا جحا، دكتورة في تاريخ الفنون، واستاذة في كلية الفنون في الجامعة اللبنانية، تطرّقت إلى محور إشكالية العلاقة مع الموسيقى الأوروبية، أو التفكير السيمفوني انطلاقاً من تساؤل بالشيون إن "كان التفكير السيمفوني ظاهرة خاصة بالأوروبيين فقط أم أنه تفكير يمكن أن تمتاز به ثقافات الشعوب الأخرى”، ورأت أن "التفكير السيمفوني كما هو موجود في الموسيقى موجود أيضاً في الفنون التشكيلية والبصرية"، وذلك ما طرحه بالشيون في مؤلفة.
وتحوّلت جحا للمسرح الغنائي اللبناني، والتجرية الموسيقية للأخوين الرحباني، حيث بعض مواضيعهم "مستوحاة من الثقافة الأوروبية"، وعلى سبيل المثال في "راجعون" كانت معالجة درامية وأوركسترالية، لها بعد وطني عن القضية الفلسطينية، و"راجعون" له نسختان الأولى في إذاعة صوت العرب في مصر عام 1955، غنتها السيدة فيروز مع كارم محمود، ولاحقاُ عام 1957 غنّتها مع ميشيل بريدي، واعتبرت جحا هذا العمل "من أهم نشاطات الموسيقى اللبنانية"، وذكرت أن بالشيون ركّز على هذا العمل الموسيقي في مؤلفه كما في اختياره لغلاف كتابه.
وقالت إن "راجعون" هو عمل فني متكامل يجسد نهضة موسيقية وطنية، وهو عمل درامي غنائي موسيقي أوركسترالي، جمع بين الشعر، واللحن، والتوزيع الأوركسترالي، وهو عمل شرقي بتقنيات التأليف الموسيقي الغربي، خالصة إلى أن "الأخوين الرحباني جمعا بين الموسيقى الشرقية، بالغربية الكلاسيكية”.
ثم تناولت جحا العلاقة بين الموسيقى والفنون التشكيلية لإظهار العلاقة بين الفنين في أوروبا، وقدّمت أمثلة كثيرة على أعمال مشتركة بين الموسيقى، والفن التشكيلي في أوروبا، في فترات مختلفة مثل:
موسيقى Sonate de la mer للفنان Mikalojus Ciurlionis الذي عاش بين 1911-1875، وهي غنائية ملوّنة وُلدت من الألحان الشعبية الليتوانية، وكلّ لوحة تمثّل قصيدة فلسفية من الألوان، سيمفونية من إنعكاسات الرسم لتلك الرؤية الموسيقية، وكان الفنان مؤلِّفاً موسيقياً، ورساماً أراد في أعماله ربط الصور المرئية بالأصوات، كما قالت.
إضافةً إلى أعمال عديدة أخرى على نَسَقٍ مشابه، منها:
-
Mussorgsky: une nuit sur le mont chauve / Goya: Incantations.
-
Dvorak: Symphonie N 9 du nouveau monde/ Monet: Gare Saint Lazare.
-
Mussorgsky / Hartmann: La grande porte de Kiev (tableaux d’une exposition).
- Rimsky Korsakov: la grande pâque Russe ouverture/ Kandinsky: tous
les Saint N 1, 1910.
ختام اللقاء، حوار مستفيض عن تاريخ الموسيقى اللبنانية بين الحضور وبالشيون.
520 مشاهدة
18 أبريل, 2024
648 مشاهدة
11 مارس, 2024
536 مشاهدة
10 مارس, 2024